.قال تاج الدين السبكى في ترجمة أحمد بن الحسن الجاربردي ما نصه:
الشيخ الإمام فخر الدين نزيل تبريز كان فاضلا دينا متفننا مواظبا على الشغل بالعلم وإفادة الطلبة شرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه وتصريف ابن الحاجب وقطعة من الحاوي وله على الكشاف حواش مشهورة وقد أقرأه مرات عديدة بلغنا أنه اجتمع بالقاضي ناصر الدين البيضاوي وأخذ عنه توفي بتبريز في شهر رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة.أنشدونا عنه:
عجبا لقوم ظالمين تستروا ** بالعدل ما فيهم لعمري معرفهقد جاءهم من حيث لا يدرونه ** تعطيل ذات الله مع نفي الصفهوهذان البيتان عارض بهما الزمخشري في قوله:
لجماعة سموا هواهم سنة ** وجماعة حمر لعمري مؤكفهقد شبهوه بخلقه وتخوفوا ** شنع الورى فتستروا بالبلكفهوقد عاب أهل السنة بيتي الزمخشري وأكثروا القول في معارضتهما ومن أحسن ما سمعته في معارضتهما ما أنشدناه شيخنا أبو حيان النحوي في كتابه عن العلامة أبي جعفر بن الزبير بغرناطة إجازة لم يكن سماعا أنشدنا القاضي الأديب أبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني بقراءتي عليه عن أخيه أبي بكر من نظمه ثم رأيتها في كتاب أبي علي عمر بن محمد بن خليل المسمى ب التمييز لما أودعه الزمخشري في كتابه من الاعتزال في الكتاب العزيز وقال أجابه عم والدي وهو يحيى بن أحمد الملقب بخليل بهذه القصيدة ولوالدي فيها تكميل ولي فيها تتميم وتذييل:
شبهت جهلا صدر أمة أحمد ** وذوي البصائر بالحمير المؤكفهوزعمت أن قد شبهوا معبودهم ** وتخوفوا فتستروا بالبلكفهورميتهم عن نبعة سويتها ** رمي الوليد غدا يمزق مصحفهنطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى ** فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفهوجب الخسار عليك فانظر منصفا ** في آية الأعراف فهي المنصفهأترى الكليم أتى بجهل ما أتى ** وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفهخلق الحجاب فمن وراء حجابه ** سمع الكليم كلامه إذ شرفهخلق الحجاب بخلقه سبحانه ** فتشوفته الأنفس المستشرفهمن لا يرى قل كيف يحجب خلقه ** نهنه نهى أشياخك المتكلفهالمنع من إدراكه معنى به ** حجب النواظر يا أصبيع زعنفهوالمنع مختص بدار بعدها ** لك لا أبا لك موعد لن تخلفهملك يهدد بالحجاب عباده ** أترى محالا أن يرى بالزخرفهوبآية الأعراف ويك خذلتم ** فوقعتم دون المراقي المزلفهلو كان كالمعلوم عندك لا يرى ** ذهب التمدح في هنات السفسفهعطلت أو أيست يا مغرور إذ ** ضاهيت في الإلحاد أهل الفلسفهإن الوجوه إليه ناظرة بذا ** جاء الكتاب فقلتم هذا سفهلو صح في الإسلام عقدك لم تقل ** بالمذهب المهجور في نفي الصفهولما نسبت إلى النبوة زلة ** في ص والتحريم فاسمع مصرفهأو ما علمت بأن من آل فقد ** ترك المباح وكف عنه مصرفهلا أنه جعل الحلال محرما ** شرعا فعصمته أبت أن يقرفهفجهلت هذا وانصرفت لظلمة ** أعمت عليك من الطريق تعرفهلم تعرف الفقه الجلي فيكف بالتوحيد ** في تدقيقه أن تعرفهقلت أظن من قوله ولما نسبت إلى النبوة زلة ** إلى آخرها تتميم أبي علي عمر بن خليلوقد أكثر الناس في معارضة الزمخشري وهذه الأبيات من أجمع ما قيل.وقال بعضهم:
الله يعلم والعلوم كثيرة ** أي الفريقين اهتدى بالمعرفهولسوف يعلم كل عبد ما جنى ** يوم الحساب إذا وقفنا موقفهفاذكر بخير أمة لم تعتقد ** إلا الثناء عليه ذاتا أو صفهودع المراء ولا تطع فيه الهوى ** فالحق في أيدي الرجال المنصفهوقال آخر:
وجماعة كفروا برؤية ربهم ** هذا ووعد الله ما لن يخلفهوتلقبوا عدلية قلنا أجل ** عدلوا بربهم فحسبهم سفهوتلقبوا الناجين كلا إنهم ** إن لم يكونوا في لظى فعلى شفهوقال آخر:
لجماعة كفروا برؤية ربهم ** ولقائه حمر لعمرك موكفهفكفاهم علموا بلا كيف فنحن ** نرى فلم ننعتهم بالبلكفههم عطلوه عن الصفات وعطلوا ** منه الفعال فيالها من منكفههم نازعوه الخلق حتى أشركوا ** بالله زمرة حاكة وأساكفههم غلقوا أبواب رحمته التي ** هي لا تزال على المعاصي موقفهولهم قواعد في العقائد رذلة ** ومذاهب مجهولة مستنكفهيبكي كتاب الله من تأويلهم ** بدموعه المنهلة المستوكفهوقلت أنا واقتصرت على بيتين:
لجماعة جاروا وقالوا إنهم ** للعدل أهل ما لهم من معرفهلم يعرفوا الرحمن بل جهلوا ومن ** ذا أعرضوا للجهل عن لمح الصفهوقال آخر:
لجماعة رأوا الجماعة سبة ** عمياء تاهوا في المعامي المتلفهوالسنة الغراء أضحت عندهم ** مردودة مهجورة مستنكفهعميت بصائرهم كما أبصارهم ** عن رؤية فاستهزءوا بالبلكفهنفوا الصفات عن الإله وأثبتوا ** ذاتا معطلة تعرت عن صفهفتعينت ذات الإله لديهم ** أن لا تكون أو أن تكون مكيفههم فرقة زعموا الجماعة فرقة ** هذا لعمري بدعة مستأنفهقد حاولوا نكرا لجهل فيهم ** عن غير علم منهم والمعرفهأنى لهم علم بهذا إنهم ** حمر لدى أهل الحقائق مؤكفهبرهانه لا شك لولا أنهم ** حمر لكان لهم عقول منصفهشهواتهم غلبت عقولهم لذا ** أبدا ترى أقوالهم مستضعفهفتجمعت آراؤهم في غيهم ** وتفرقت عن رشدهم متحرفههم أمة تركوا الهداية وامتطوا ** طرق الضلالة والهوى متعسفهركبوا بحار عماية وغواية ** غرقت مراكبهم بريح معصفههم زمرة هامت بهم أهواؤهم ** كالهيم في الأرض الفلاة مخلفهعزة أذلهم الإله بعزة ** ثبة ذووا جبورة متغطرفهلعصابة لعبت بهم أهواؤهم ** عمي تناهت في العمى متلهفهفئة لقد جحدوا برؤية ربهم ** وأتوا بأقوال ترد مزيفههم عصبة قد حكموا آراءهم ** في الدين تلقاها غدت متصرفههم حرفوا كلم الكتاب وبدلوا المعنى ** فجاء حروفهن محرفههم صحفوا القرآن في تأويله ** فلذا مصاحفهم تكون مصحفهنبذوا كتاب الله خلف ظهورهم ** جعلوا أحاديث النبي مضعفهملأوا صحائفهم بكل قبيحة ** من بدعة شنعاء غير مؤلفهأقولهم ألفاظ زور مالها ** معنى وصوت كالطبول مجوفهالله خالق كل شيء وحده ** سبحانه وبه العباد مكلفهخير وشر ليس يخلق غيره ** إياهما هذي طريق مزلفهلقد اعتزلتم أمة سنية ** فخفيتم يا أمة متخوفهولقد زعمتم أنكم شركاؤه ** والخالقية لا تزال منصفهفكفرتم بالله ثم نبيه ** فقلوبكم عن دينه متخلفهفلذا افتضحتم في الأنام فأصبحت ** عوراتكم بين الورى متكشفهوأبيتم إلا متابعة الهوى ** وأتيم بدلائل المتفلسفهولكم عقائد بالهوى معقودة ** والكفر من أهل الهوى متلقفهوبنيتم دارا على مستنقع ** وجعلتموها بالقذاة مسقفهما عندكم إلا البلادة والقماءة ** والسفاهة والخنا والعجرفهجهلتم موسى كما كذبتم ** خبر الرسول أتت به المستخلفهأنكرتم للأولياء كر امة ** عمتهم خصت بها المتصرفهلله أحباب تكون مصونة ** عما سواه بالجمال مكنفهوهم ضنائن ربهم وعليهم ** بجلاله أرخى ستورا مسجفهأخفاهم بالنور ثم خفاهم ** ووجوههم بحلى السنا متلففههم جفة حفت بكل جميلة ** من ربهم وبما يقرب متحفهملأ لقد ملأ الإله صدورهم ** نورا فكانت بالضياء مزخرفهنصحت جيوبهم كما أذيالهم ** أضحت بأمواه الصفاء منظفهلهم عقائد في القلوب صحيحة ** ونفوسهم ملكية متعففهولهم خلائق بالندى مجبولة ** وعلى الخلائق بالهدى متعطفهولهم قلوب بالرضا معمورة ** ولهم مكارم بالحوائج مسعفهأجسامهم عما يشين نقية ** ونفوسهم عما يذيم مكفكفهما استعبدتهم شهوة تدعو إلى الصفراء ** والبيضاء لا والزخرفهكفوا الأكف عن السؤال ولم ترى ** سألة ممدودة متكففهما شأنهم شرب المدامة لا ولا ** أكل الحرام ولا غرام مهفهفهمنعوا النفوس عن الحظوظ فطاوعت ** وتحرجت عن نيلها متوقفهكلفت نفوسهم بما أمرت به ** ألفته حبا فيه لا متكلفهمتطلب رتب الكمال ذواتهم ** وصفاهم تعنو لها متلطفهولهم وظائف من عبادة ربهم ** أضنوا بها أبدانهم كالأوظفهسهرت عيونهم إذا نام الورى ** في فرشهم طول الليالي المسدفهأقدامهم تحت الدجا مصطفة ** وقدودهم كأهلة محقوقفههجروا الوسائد والموائد والهنا ** قوم بأنواع النعيم مسرعفهتركوا الفضول وقد رضوا بكفافهم ** أنعم بهم من حوزة متقشفهصقلوا مراياهم بمصقلة التقى ** فصفت وصارت للولاية مألفهأتت الولاية وهي خاطبة لهم ** مرتاحة مشغوفة مستعطفهفلهم من الله الكريم كرامة ** وقلوبهم لقبولها مستهدفهأبدانهم طافت بكعبة ربهم ** ونفوسهم بجنابه متطوفهأرواحهم بسعادة مقرونة ** بدوامها مسرورة متألفهأتنم عبيد بطونكم وفروجكم ** ونفوسكم في كل شر مسرفهما تعرفون سوى القدور وهمكم ** أن تغرفوا منها الطعام بمغرفهفمتى نهضتم للولاية يا بني اللحم ** السمين ويا أسارى الأرغفهأرواحكم مسحورة وعقولكم ** مسلوبة أبصاركم متخطفهوركبتم متن الغواية ثم قد ** قفيتموها بالضلالة مردفهجرتم وقلتم إنكم عدلية ** لا والذي جعل القلوب مصرفهزلت بكم أقدامكم بمزلة ** تهوي إلى درك الشفا متزحلفهصدئت مراياكم فأنى تجتلى ** فيها عرائس بالجمال مشرفهومتى تكون لكم ولاية ربكم ** وقلوبكم عن طرقها محرورفهولنا بحمد الله ثم بفضله ** كتب على الحق الصريح مصنفهقد كانت الحسنى لنا وزيادة ** وتقر أعيننا بها المتشوفهأنا نرى يوم القيامة ربنا ** مستشرقين على قصور مشرفهسنراه جهرا لا حجاب وراءنا ** في جنة للمؤمنين معرفهأسماعنا لكلامه أبصارنا ** لجماله مشتقاة متشوفهإنا نرى لا في جهات وجهه ** إنا لنسمع قوله لا من شفهرغما لأنفكم نراه ظاهرا ** كالشمس حقا بالعيون المترفهآذاننا بكلامه كعيوننا ** ترنو إليه في الجنان مشنفهجاء الكتاب بها وجاءت سنة ** من ربنا ومن النبي معرفهثقلت موازين لنا إذ أصبحت ** أعمالكم يوم الحساب مخففهمن لا يريد لقاءه فهو الذي ** في النار يخلد مثل أهل الفلسفهويذاد عن حوض يروينا إذا ** وردوا القيامة والشفاه مجففهوتعل من عين الحياة نفوسنا ** وشفاهنا تغدو لنا مترشفهتلقى أئمتهم وأمتهم غدا ** تلقى طوائف في الجحيم مكتفهفتراهم يوم اللقا وقلوبهم ** محجوبة عن ربها متأسفهقد جادلونا باللسان فجدلوا ** بالبيض والسمر القناة مثقفهحتى تقصفت الصفاح وأصبحت ** أرماحنا من طعنهم متقصفهفعلى عيونهم سهام فوقت ** وعلى رقابهم سيوف مرهفهصلى الإله على محمد الذي ** أبدى لنا طرق الهدى والمخرفهوعلى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. اهـ.
.تفسير الآية رقم (148):
قوله تعالى:
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}.مناسبة الآية لما قبلها:
قال البقاعي:ولما كان ذلك كله مما يتعجب الموفق من ارتكابه، أعقبه تعالى مبينًا ومصورًا ومحققًا لوقوعه ومقررًا قوله عطفًا على
{فأتوا على قوم يعكفون} [الأعراف: 138] مبينًا لإسراعهم في الكفر:
{واتخذ} أي بغاية الرغبة
{قوم موسى} أي باتخاذ السامري ورضاهم، ولم يعتبروا شيئًا مما أتاهم به من تلك الآيات التي لم ير مثلها
{من بعده} أي بعد إبطائه عنهم بالعشرة الأيام التي أتممنا بها الأربعين
{من حليهم} أي التي كانت معهم من مالهم ومما استعاروه من القبط
{عجلًا} ولما كان العجل اسمًا لولد البقر، بين أنه إنما يشبه صورته فقط، فقال مبدلًا منه:
{جسدًا}.ولما كان الإخبار بأنه جسد مفهمًا لأنه خال مما يشبه الناشيء عن الروح، قال:
{له خوار} أي صوت كصوت البقر، والمعنى أنه لا أضل ولا أعمى من قوم كان معهم حلي أخذوه ممن كانوا يستعبدونهم ويؤذونهم وهم مع ذلك أكفر الكفرة فكان جديرًا بالبغض لكونه من آثار الظالمين الأعداء فاعتقدوا انه بالصوغ صار إلهًا وبالغوا في حبه والعبودية له وهو جسد يرونه ويلمسونه، ونبيهم الذي هداهم الله به واصطفاه لكلامه يسأل رؤية الله فلا يصل إليها.ولما لم يكن في الكلام نص باتخاذه إلهًا، دل على ذلك بالإنكار عليهم في قوله:
{ألم يروا} أي الذين اتخذوا إلهًا
{أنه لا يكلمهم} أي كما كلم الله موسى عليه السلام
{ولا يهديهم سبيلًا} كما هداهم الله تعالى إلى سبيل النجاة، منها سلوكهم في البحر الذي كان سببًا لإهلاك عدوهم كما كان سببًا لنجاتهم؛ قال أبو حيان: سلب عنه هذين الوصفين دون باقي أوصاف الإلهية لأن انتقاء التكليم يستلزم انتفاء العلم، وانتفاء الهداية إلى سبيل يستلزم انتفاء القدرة، وانتفاء هذين الوصفين يستلزم انتفاء باقي الأوصاف.ولما كان هذا أمرًا عظيمًا جدًّا مستبعد الوقوع ولاسيما من قوم نبيهم بينهم ولاسيما وقد أراهم من النعم والآيات ما ملأت أنواره الآفاق، كان جديرًا بالتأكيد فقال تعالى:
{اتخذوه} أي بغاية الجد والنشاط والشهوة
{وكانوا} أي جلبة وطبعًا مع ما أثبت لهم من الأنوار
{ظالمين} أي حالهم حال من يمشي في الظلام، أو أن المقصود أن الظلم وصف لهم لازم، فلا بدع إذا فعلوا أمثال ذلك. اهـ.